الثلاثاء، 3 مايو 2011

التربية العلمية من منظور عربي بقلم : أ.د. محسن مصطفي عبد القادر


لا يكاد يخلو أي مجال علمي أو بحثي من إشكاليات المصطلح أو المفهوم لا لشيء سوي لأن للمصطلحات تأثيرات نادراً ما يُقدْر الناس أبعادها ويولونها ما تستحقه من الاهتمام ، وتتصل تلك التأثيرات بالجوانب الفكرية العامة لأن المصطلح هو صورة مكثفة للعلاقات العضوية القائمة بين العقل واللغة ، وتتصل أيضاً بالظواهر المعرفية لأن المصطلحات في كل علم من العلوم هي بمثابة النواة المركزية     التي يمتد بها مجال الإشعاع المعرفي ، ويُرسخ بها الاستقطاب الفكري ولذلك كانت المصطلحات أولي قنوات الاتصال بين مجالات المعرفة والعلوم البشرية.
      وتنطوي استعارة ( مصطلح ) من نسق ثقافي إلي آخر علي إشكالات في الاستخدام ، لأن الثقافة تنهض ويستقيم صرحها كلما أفلحت في إنتاج معرفة خصبة وجديدة توجهها اصطلاحات واضحة الدلالة ، ومن المؤكد أن ثقافة أي أمة من الأمم تقوض وتتلاشي لأسباب كثيرة منها " اضطراب دلالة المصطلح ، وتعارض المفاهيم وشيوع الغموض ، والقلق في التراسل العلمي بين مصادر المعرفة والمتلقي " ، الأمر الذي يُعرض تراكم المعرفة ذاته إلي كثير من الصعاب ، مثل عدم استقرار المفاهيم وما يتبعه من اضطراب ليس في الوصف والتحليل والاستقرار فحسب ، وإنما في الاستنباط واستخراج النتائج التي يهدف الوصول إليها أي بحث، وكل باحث.
     وقد استخدم مصطلح Science Education في الثقافة التربوية الغربية عامة والأمريكية خاصة كفلسفة تربوية برزت في القرن الماضي كاتجاه جديد وحركة إصلاحية لتدريس العلوم في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي في حقيقتها أسمي غايات دراسة العلم وتعليم وتعلم العلوم ، فالتربية العلمية ليست مفهوماً اصطلاحياً يمكن الاتفاق عليه بصورة علمية أو إجرائية ، بل هي غاية تتحقق من خلال عمليات دراسة العلم وتعليم وتعلم العلوم ويتضح مفهومها ومعناها بحسب فلسفة المنظر ، وما ينبغي أن يتحقق من خلالها.
      وبالرغم من أن مصطلح Science Education يشير عادة في الثقافة الغربية والأمريكية إلي تعليم العلوم ، إلا أن التربويين العلميون في العالم العربي قد استعاروا هذا المصطلح كمرادف للتربية العلمية في الثقافة التربوية العربية ، رغم أن اللفظ الغربي Education مرادف في العربية للفظ التربية وليس التعليم Learning ، أو التدريس  Teaching ، ففي اللغات الأجنبية تستخدم كلمة واحدة "Education ‏ " للتعبير عن التربية والتعليم ، وفي اعتقادي أن من مزايا اللغة العربية ودقتها أنها تميز بين الاثنين  فالتربية كانت حسنة أم سيئة غالباً ما تتخذ من التعليم وسيلة وبالرغم من أن التعليم غالباً ما يحدث في المتعلم تأثيراً تربوياً ما ، إلا أن التركيز على التربية يؤدي إلى نتائج تختلف عن التركيز على التعليم فأن نربي يعني أن نتوجه إلى كيان التلميذ / الفرد كوحدة لا تتجزأ  بينما قد ينقل إليه التعليم المعلومات التي كثيراً ما تكون مجزأة وموجهة إليه بمعزل عما يريده وما يحتاجه ، والتعليم يخاطب الذهن بالدرجة الأولى ، بينما تخاطب التربية بناء الشخصيـة ، وقد يُعلم المعلم دون أن يلتفت إلى تربية من يعلمه ولكنه عندما يربي فهو دائماً معلماً ، بمعنى تعليم القيم وأصول السلوك وليس بالضرورة تمرير المعلومات".
     من هنا فأن استعارة مصطلح Science Education  في الثقافة التربوية العربية أدي إلي قصور في عدة أوجه بمجال التربية العلمية  منها غياب فلسـفة واضحة المعالم والمحددات لها في العالم العربي  كما لم تتضح التربية العلمية كفكرة ، أو ممارسـة ، أو تطبيق حتى يومنا هذا ، بل وأكثر من ذلك فقد اختلف معني التربية العلمية لدي المتخصصين فيها في العالم العربي داخل البلد أو القطر الواحد ، وربما كان عدم تحديد مصطلح ومفهوم وفلسفة التربية العلمية بما يتفق مع ثقافتنا ولغتنا العربية من بين الأسباب التي أدت إلي تأخر تحقيق التربية العلمية في مجتمعنا. 
      فقد عجزت معظم ـ إن لم يكن ـ جميع النظم التربوية والتعليمية في تحقيق العديد من أهداف التربية العلمية ، إضافة إلي سوء المناهج المدرسية عامة ومناهج العلوم خاصة أهدافاً ومحتوي وأساليب تدريس وتقويم نتائج في تحقيق تلك الأهداف ، كذلك غياب دور المؤسسات التربوية غير النظامية والتي يمكن أن  تلعب دوراً مهما ً في هذا المجال ، تلك الأسباب وغيرها أدت إلي التخلف وقصور النظم التربوية في الدول العربية عن تقديم أفراد / متعلمين تملك أسباب وحاجات الحياة في هذا العصر.
     فإذا كانت التربية العلمية هي في الأساس فلسفة تربوية ، أو حركة إصلاح لتعليم العلوم في الولايات المتحدة الأمريكية حدثت في القرن الماضي ، فإننا رغم ما نوجهه إلي تعليم العلوم في بلداننا العربية من انتقادات متعددة لم نتحرك لمحاولة التفكير في إصلاحه لتحقيق الغاية منه إلا وهي تربية الأفراد / المتعلمين تربية علمية كما أننا ـ رغم الاهتمام الواضح ـ بالتربية العلمية سواء في حرص الكثير من المشتغلين بتدريس العلوم علي تقديم أنفسهم كمتخصصين فيها ، أو في كتاباتنا وبحوثنا ودراساتنا وندواتنا ومؤتمراتنا العلمية التي تتصدر عناوينها التربية العلمية ، رغم كل ذلك لم نسع لتحديد مفهوم ومعني أو فلسفة للتربية العلمية ، ومحاولة صياغة رؤية لها من منظور عربي يتناسب وواقعنا وحاجاتنا ومتطلباتنا وحضارتنا وهويتنا.
     المراجع :
1ـ عبد الله قلي : المناهج التعليمية وإشكالية المفهوم.
 2ـ إبراهيم عبد الله  : " إشكالية المصطلح النقدي "
علي حسن الأحمدي  : التنور العلمي والتقني.
4ـ نجلاء حمادة ( 2010 ) " المدرسة رسالة وتوجيه ".

هناك تعليق واحد: